خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غـــــازيـــا لبني المصطلق و خرجت معه يومئذ من نسائه عائشة رضي الله عنها ، و بعد أن تم النصر للمسلمين ،التقى عند الماء أحد من الأنصار و أحد من المهاجرين ،فتزاحما و تنافرا ، وكادت هذه الحادثة الفردية أن تؤدي إلى قتال بين المسلمين.
و أذكى الفتنة رأس النفاق عبد الله بن أبي سلول الذي قال متوعدا: { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن ّ الأعز منها الأذل....<8>....}. سورة المنافقون. فسمعه أحد المسلمين ،فأخبر رسول الله بذلك . فارتأى صلى الله عليه و سلم أن من الحكمة شغل الناس بالمسير فورا.
و في أثناء ذلك ...كانت أمنا عائشة رضي الله عنها قد خرجت من خبائها لقضاء حاجة لها بعيدا عن المعسكر ، للا تدري من ذلك شيئا .و رفع هودجها من مكانه ظنا من قائده بأنها فيه ، و مضى المسلمون باتجاه المدينة .. و حين عادت تحسست عنقها فافتقدت عقدا، فرجعت سريعا إلى حيث كانت ، ولملمت حبات العقد و أسرعت في العودة ....لكنها لم تجد أحدا . و ألم بها خوف شديد ثم لبثت في مكانها لا تدري كيف تتصرف.
و كان من حكمته كقائد صلى الله عليه وسلم ، أ، يرسل اثر كل غزوة رجلا من لأصحابه هو صفوان بن المعطل يستدرك ما نسيه المسلمون ...فلما وجدها كر بها راجعا..و لما أشرفا على مشارف المدينة رآهما رأس الفتنة ابن سلول فقال:"أيها الناس... ضغينة نبيكم عادت في ركاب رجل ، والله ما نجت وز لا نجا منها ".
و سارت الفتنة بين الناس و وصل الهمس إلى أذنه صلى الله عليه و سلم فعاش أياما فب الحيرة، ولجهلها بالأمر راحت تعلل انصرافه عنها بسبب انشغاله بشؤون المسلمين.ولما مرضت أذن لها بسرعة في أن تمرّض في بيت أبيها ،فحزنت لذلك لأنه لم يكن يطيق فراقها.فمكثت قرابة عشرين يوماو هي لا تدري شيئا.
و بعد أن شفيت خرجت مع قريبة لها هي أم مسطح بن أثاثة و بينما هما كذلك تعثرت أم مسطح في ثوبها و كادت تقع، فقالت :" تعس مسطح " فأنبتها عائشة "بئس لعمر الله ما قلت في رجل من المهاجرين شهد بدرا".
فأخبرتها بأنه أحد الأشخاص الذين أطلقوا العنان لألسنتهم في حقها، و أخبرتها بكل ما قيل في حقها. و كادت تقع من هول ما سمعت ثم تمالكت نفسها و عادت إلى البيت فلامت أمها وهي تبكي رضي الله عنها فقالت لها:"أ]ي بنية ...هوني عليك الشأن ، فوالله لقل ما كانت امرأة حسناء عند زوج يحبها و لها ضرائر إلا كثّرن و كثر الحديث عنها.."
و حين كثر القيل و القال خطب رسول الله قائلا:<<..أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي و يقولون عليهم غير الحق.....>> . و فتر الوحي أياما مما جعل لألسنة السوء مجالا واسعا . فتوجه صلى الله عليه و سلم إلى بيت أبي بكر..و حين دخل كانت عائشة رضي الله عنها تبكي فكفكفت دموعها .ثم استقبلها يسألها:<<يا عائشة إنه قدكان ما بلغك من قول الناس ، فاتقي الله ،فإن كنت قد قارفت سوءا مما يقولون فتوبي إلى الله، إن الله يقبل التوبة من عباده>>.و في جو رهيب قالت لأبويها و هي تشرق بالدمع:"ألا تجيبان ؟".فقالا" و الله ماندري ما نقول ". ثم التفتت إلى رسولالله قائلة:"............و إنما أقول ما قال أبو يوسف:{.....فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون.<.18>}".يوسف.
و في تلك اللحظة شعر رسول الله بالوحي فسجي في ثوبه و أتته عائشة الصديقة بوسادة، وحين أفاق من غشيته قال:<<..قد أنزل اللــــه براءتك....>>. فصاحت :"الحمد لله وحده".. و تلا قوله تعالى.:{{إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم و الذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم <11>}}...إلى قوله تعالى...{{...و يبين الله لكم الآيات و الله عليم حكيم<18>}}.ســـــــــورة النـــــور
و عادت الطاهرة إلى بيتها و إلى مقامها في قلب رسول الله ، ومكانتها في نفوس المسلمين بعد أن الجمت لأفواه الفتنة بأمر من الله .....و لله الحمد.