ولكنها امتازت عنهم بأن معظم الأحاديث التي روتها قد تلقتها مباشرة من النبي r كما أن معظم الأحاديث التي روتها كانت تتضمن على السنن الفعلية (19) . ذلك أن الحجرة المباركة أصبحت مدرسة الحديث الأول يقصدها أهل العلم لزيارة النبي r وتلقي السنة من السيدة التي كانت أقرب الناس إلى رسول الله، فكانت لا تبخل بعلمها على أحدٍ منهم، ولذلك كان عدد الرواة عنها كبير.
كانت (رضي الله عنها) ترى وجوب المحافظة على ألفاظ الحديث كما هي، وقد لاحظنا ذلك من رواية عروة بن الزبير عندما قالت له (( يا ابن أختي بلغني أن عبد الله بن عمرو مارٌّ بنا إلى الحج فالقه فسائلْه، فإنه قد حمل عن النبي r علماً كثيراً، قال عروة: فلقيته فساءلته عن أشياء يذكرها عن رسول الله r فكان فيما ذكر أن النبي قال:إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعاً، ولكن يقبض العلماء فيرفعُ العلم معهم، ويبقى في الناس رؤوساً جهَّالاً يفتونهم بغير العلم، فيَضلّون و يٌضلٌّون. قال عروة: فلم حدثت عائشة بذلك أعظمت ذلك و أنكرته، قالت: أحدَّثك أنه سمع النبي r يقول هذا؟ قال عروة: حتى إذا كان قابلٌ، قالت له: إن ابن عمرو قد قدم فالقه ثم فاتحة حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم، قال: فلقيته فساءلته فذكره لي نحو ما حدثني به في مرَّته الأولى، قال عروة: فلما أخبرتها بذلك قالت: ما أحسبه إلا قد صدق، أراه لم يزد فيه شيئاً ولم ينقص)) (20) . ولذلك كان بعض رواة الحديث يأتون إليها ويسمعونها بعض الأحاديث ليتأكدوا من صحتها، كما إنهم لو اختلفوا في أمر ما رجعوا إليها.(21) .ومن هذا كله يتبين لنا دور السيدة عائشة و فضلها في نقل السنة النبوية ونشرها بين الناس، ولولا أن الله تعالى أهلها لذلك لضاع قسم كبير من سنة النبي r الفعلية في بيته عليه الصلاة و السلام .
السيدة الفقيهة :
تعد السيدة عائشة(رضي الله عنها) من أكبر النساء في العالم فقهاً وعلماً، فقد كانت من كبار علماء الصحابة المجتهدين، وكما ذكرنا سابقاً بأن أصحاب الرسول r كانوا يستفتونها فتفتيهم، وقد ذكر القاسم بن محمد أن عائشة قد اشتغلت بالفتوى من خلافة أبي بكر إلى أن توفيت.(22). ولم تكتفِ (رضي الله عنها) بما عرفت من النبي r وإنما اجتهدت في استنباط الأحكام للوقائع التي لم تجد لها حكماً في الكتاب أو السنة، فكانت إذا سئلت عن حكم مسألة ما بحثت في الكتاب والسنة، فإن لم تجد اجتهدت لاستنباط الحكم، حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقولة عنها.(23) . فهاهي (رضي الله عنها) تؤكد على تحريم زواج المتعة مستدلة بقول الله تعالى : (( والذين هم لفروجهم حافظون.إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين.فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون)).(24)
وقد استقلت السيدة ببعض الآراء الفقهية، التي خالفت بها آراء الصحابة، ومن هذه الآراء:
1-جواز التنفل بركعتين بعد صلاة العصر، قائلة(( لم يدع رسول الله r الركعتين بعد العصر)). وعلى الرغم من أنه من المعلوم أن التنفل بعد صلاة العصر مكروه، فقال بعض الفقهاء أن التنفل بعد العصر من خصوصياته r (25) .
2- كما أنها كانت ترى أن عدد ركعات قيام رمضان إحدى عشرة ركعة مع الوتر، مستدلة بصلاة رسول الله r ،وذلك عندما سألها أبو سلمة بن عبدالرحمن ((كيف كانت صلاة رسول الله r في رمضان؟ قالت: ما كان رسول الله r يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن و طولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن و طولهن، ثم يصلي ثلاثا. فقلت يا رسول الله: أتنام قبل أن توتر؟ فقال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)).(26) .فكان الصحابة (رضي الله عنهم) يصلونها عشرين ركعة، لأن فعل النبي r لهذا العدد لا يدل على نفي ما عداه (27) . وهكذا جمعت السيدة عائشة بين علو بيانها و رجاحة عقلها، حتى قال عنها عطاء
( كانت عائشة أفقه الناس وأحسن الناس رأياً في العامة)).(28)
الخلاصة :
توفيت السيدة عائشة (رضي الله عنها) وهي في السادسة و الستين من عمرها،بعد أن تركت أعمق الأثر في الحياة الفقهية و الاجتماعية والسياسية للمسلمين. وحفظت لهم بضعة آلاف من صحيح الحديث عن رسول r.
لقد عاشت السيدة بعد رسول الله r لتصحيح رأي الناس في المرأة العربية ، فقد جمعت (رضي الله عنها) بين جميع جوانب العلوم الإسلامية ، فهي السيدة المفسرة العالمة المحدثة الفقيهة. وكما ذكرنا سابقاً فهي التي قال عنها رسول الله r أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، فكأنها فضلت على النساء.
كما أن عروة بن الزبير قال فيها
(ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة))(29)، وأيضا قال فيها أبو عمر بن عبدالبر
( إن عائشة كانت وحيدة بعصرها في ثلاثة علوم علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر)).(30)
وهكذا فإننا نلمس عظيم الأثر للسيدة التي اعتبرت نبراساً منيراً يضيء على أهل العلم وطلابه،للسيدة التي كانت أقرب الناس لمعلم الأمة وأحبهم، والتي أخذت منه الكثير وأفادت به المجتمع الإسلامي.فهي بذلك اعتبرت امتدادا لرسول الله r .
الحواشي :
1) عمر رضا كحاله: أعلام النساء،مؤسسة الرسالة،لبنان،1977،ط3،ص105.
2) خيرالدين الزركلي:الأعلام،دار العلم للملايين،لبنان،1997ط12،،ص240.
3) الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع،المملكة العربية السعودية، ط1،ص6.
4) د.حسين الشيخ:نساء غيرن وجه التاريخ،دار العلوم العربية،لبنان،1996،ط1،ص145.
5) عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،دار القلم،لبنان،1988،ط4،ص175.
6) المصدر نفسه،ص177.
7) المصدر نفسه،ص178.
المصدر نفسه،ص179.
9) عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص179.
10) الصدر عينه،ص179.
11) د.حسين الشيخ:نساء غيرن وجه التاريخ،ص145 .
12) عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص182.
13) الموسوعة العربية العالمية،ص6.
14) عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص182.
15) المصدر نفسه،ص183.
16) عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص183.
17) المصدر نفسه ،ص185.
18) عمر رضا كحاله: أعلام النساء،ص108.
19) عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص187.
20) المصدر نفسه،ص190.
21) المصدر نفسه،ص191.
22) عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص187.
23) عمر رضا كحاله: أعلام النساء،ص106.
24) عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص193.
25) المصدر نفسه،ص 195.
26) عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،ص195.
27) المصدر نفسه،ص 195.
28) المصدر نفسه،ص197.
29) عمر رضا كحاله: أعلام النساء،ص105.
30) المصدر نفسه،ص105.
المصـــادر
1. -حسين الشيخ:نساء غيرن وجه التاريخ،دار العلوم العربية،لبنان،1996،ط1.
2. -خيرالدين الزركلي:الأعلام،دار العلم للملايين،لبنان،1997،ط.12
3. -عبدالحميد محمود طهمار:السيدة عائشة،دار القلم،لبنان،1988،ط4.
4. -عمر رضا كحاله: أعلام النساء،مؤسسة الرسالة، لبنان، 1977 ،3.
5. -الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع،المملكة العربية السعودية، ط 1.
هذا الموقع برعاية موقع زواج
من أجل رعاية الموقع يرجى المراسلة هنا
Email:
farraj17@hotmail.comهذا الموقع برعاية موقع زواج
من أجل رعاية الموقع يرجى المراسلة هنا