الحروف الناصبة للفعل
الحروف الناصبة للفعل :
الحروف الناصبة للفعل هي : إذاً وأَنْ وحتى وكي ولنْ واللام والواو والفاء وأو
إذاًً
من الحروف العاملة أحيانا والمهملة أحيانا ، فإن عملت فهي تنصب الفعل المضارع بشروط [1]:
-أن يكون الفعل مستقبلاً نحو قولك : إذاً أُكرمَك ، جوابا لمن قال : أزورُك غداً ، قال عبدالله بن غنمة الضبى[2]
أردُدْ حمارك لاينزِعْ سويَّتَهُ إذاً يُردَّ وقيدُ العير مكروبُ
بنصب : يردّ ، بـ إذاً
فإن كان الفعل حالاً لم تنصب نحو : قولك لمن تُخاطبُه : إذاَ أظنُّك صادقاً ، برفع أظنّ
-أن تكون مصدرةً ، كما مثلنا ، وتعمل المصدرةُ سواء وليها الفعل او فُصل بينهما بالقسم نحو : إذاً والله أكرمَك ، أو بظرف نحو: إذاً يوم الجمعة أكرمَك ، أو بمجرورٍ نحو : إذاً بسبب عمرو أكرمَك ، لأن القسم معناه التوكيد والظرف والمجرور يجوز بهما الفصلُ لكثرة استعمالهما واتساع العرب فيهما [3].
وإن توسطتْ ، فإن كان ماقبلها مما يفتقرالى ما بعدها كالمبتدأ والخبر والشرط والجزاء والقسم والجواب لم تعمل ، لأن الاعتماد على ماقبلها نحو : إن قام زيدٌ إذاً أكرمْك ، بجزم أكرم جوابا للشرط ، ولاتأثير لـ إذاً ، فكأنها حشوٌ ، لأن الكلام يستقيمُ دونها ، وفي القسم نحو : والله إذا اكرمُك ، ومنه قول كُثير[4]
لئنْ عاد لي عبدُالعزيز بمثلها وأمكنني منها إذاً لا أقيلُها
برفع أقيل ، لأنه جواب للقسم الموطأ له باللام فى لئن .
فإن كان ما قبلها غير معتمدٍ على ما بعدها كان الحكمُ لها ، فأُعملتْ نحو : جاء زيدٌ إذاً يكرمَك ، بنصب يكرم ، لأن جملة : إذاً يكرمَك ، في موضع نصب حال
-أن لايُفصل بينها وبين الفعل بغير ما ذكر ، فإن فُصل بغير ذلك لم تعمل نحو: إذاً زيدً يكرمُك، برفع الفعل على الاصل .
وإذا دخلت إذاً على غير الفعل المضارع لم تعملْ ، كما إذا دخلت على الماضي نحو : إذاً أكرَمَك أخوك قال تعالى " إذاً لأذقناك ضِعْفَ الحياة وضِعْفَ المَمَات " [5]أو الأمر نحو : إذاً زُرْ صديقك ، وكذا الجملة الاسمية نحو : إذا أنا أساعدُك .
أنْ
"أن" حرف نصب للفعل المضارع ، وذلك عندما تكون مصدرية لأنها مختصة بالفعل عندئذٍ :نحو أحببتُ ان تقومَ ، وأعجبني أنْ تسكتَ عن الجاهل، فالفعل تقوم منصوب بـ أن المصدرية ، قال تعالى " وأنْ تعفوا أقرب للتقوى "[6] فالفعل تعفوا منصوب بـ أن وعلامة نصبه حذف النون ، و"أن" وما دخلت عليه فى تأويل مصدرٍ تقديره : عفوُكم ، وقال " وأنْ تصُومُوا خيرٌ لكم " [7]
و"أنْ" هذه هي أصل أدوات نصب المضارع وأم الباب ، ولذلك فهي:
- تعملُ ظاهرة ومضمرة ، تقول : أجتهدْ لأنْ تفوزَ ، و اجتهد لتفوزَ ، اي لأن تفوز
- يجوز أن تعمل محذوفة نحو قول الشاعر[8]
ولُبْسُ عباءةٍ وتقِرَّ عيني أحبّ إليَّ من لبس الشُفُوف
التقدير : وأن تقرّ عيني ، فالفعل منصوب بـ أنْ محذوفة .
حتى الناصبة
وهذه أثبتها الكوفيون [9]، نحو : سرتُ حتى أدخلَ المدينة ، بنصب أدخل ، وكُلْ حتّى تشبعَ ، قالوا فـ حتى ناصبة بنفسها ، ويجوز إظهار "أن" بعدها توكيداً ، وجعلوا منه قوله تعالى " وزُلزِلُوا حتّى يقولَ الرسولُ والذين معه متى نصر الله..."[10] وقوله " قالوا لنْ نبْرحَ عليه عاكفين حتّى يرجعَ إلينا موسى "[11] وقال المقنع الكندي[12]
ليس العطاءُ من الفُضُول سَمَاحةً حتّى تجُودَ وما لديك قليلُ
نصب الفعل تجود بـ حتى .
ويُشترط فى منصوب "حتى" ن يكون مستقبلا أو مؤلا بالمستقبل ، فإن كان حالاً او مؤولاً بالحال لم يُنصب الفعل بل يُرفع نحو : سألتُ عنك حتى لا أحتاجُ إلى سؤال .
أما غير الكوفيين فيرون أن الفعل منتصبٌ بـ ان مضمرة بعد حتى – كما ذكرنا آنفا فى حتى الجارة – و"أن" وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بـ حتى ،و على هذا الرأي، تكون "حتى" الداخلة على الفعل المضارع هى الجارة .
كي الناصبة
تكون كي حرف نصبٍ للفعل بمنزلة أنْ ، وهي التى يدخل عليها لامُ الجر نحو : جئتُ لكي أُساعدك ، فاللام حرف جر، وكي حرف مصدري ونصب، وهي وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور باللام ،ومنه قوله تعالى " لكيلا تأسَوا على ما فاتكم "[13] ، وقيل إنها حرف مصدري لأنه إذا أصبحت حرف تعليل، ترتب على ذلك دخول حرف تعليل على آخر مثله ، وذلك لايجوز ، فتعين أن تكون حرفا مصدريا، قال الشاعر[14]
أردتُ لكيما يعلمَ الناسُ أنّها سراويلُ قيسٍ والوفودُ شُهُودُ
التقدير: لأن يعلم الناسُ، و"كي" وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور باللام، وكذا إذا قلت : جئتُ كي تكرمنى ، فإن قدرت اللام كانت كي حرفا مصدريا،والتقدير : كي أن تكرمني ، وإلا كانت حرف جر بمزلة لام التعليل ، فهي (كي) تعمل عمل أن مضمرة كما مثلنا ، أو ظاهرة كما في قول جميل بثينة [15]
أكُلَّ الناسٍ أصبحت مانحاً لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا
الشاهد قوله : كيما أن تغر ، حيث اظهر أن بعد كي .
اللام
اللام الناصبة هي التى تدخل على الفعل المضارع وهي أنواع :
-لام كي ، نحو زرتُك لتُكرمَني ، واجتهدتُ لأنجحَ ، فالفعلان تكرم وأنجح منصوبان بـ اللام ، وهذه التى يقال لها لام العلة ولام السبب
-لام الجحود وهي التى تقع بعد النفي نحو : ما كنتَ لِتُسيئ إلى أخيك ، وما كان الغنيٌ ليُماطلَ في أداء الدَّين ، ومنه قوله تعالى" ماكان اللهُ لِيذرَ المؤمنين على أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " [16]
-لام الصيروة اي العاقبة ، نحو : أنفقتُ عليه لِيحرمني ، ونصحتُه ليشتمني ،
-الزائدةفي مثل قوله تعالى " يريدُ اللهُ لِيبيّنَ لكم "[17] وقول كثير[18]
أريدُ لأنسى ذكرَها فكأنما تَمَثّلَ لي ليلى بكلّ سبيلِ
حيث نصب الفعل : "أنسى" باللام .
فالفعل المضارع بعد تلك اللامات منصوبٌ بها عند الكوفيين ، أما البصريون فيرون أنها لام الجر، والناصبُ للفعل أنْ مُضمرة بعد اللام ، فتكون اللامُ جارة لـ أنْ وما دخلت عليه على تأويل مصدرٍ ، فيكون تقدير قولك : جئتُ لأزورك ، جئتُ لأن أزورك ، ثم المصدر : جئتُ لزيارتك ، وهذا المذهب هو الذي رجحه المرادي [19].
لنْ
من حروف المعاني العاملة لأنها مختصة بالفعل ، وعملُها نصب المضارع نحو : لنْ يغيبَ المُجتهدُ عن الدرسِ ، ولنْ يفلحَ الخائنُ ، فـ لنْ حرف نفي ونصب واستقبال ، والفعل بعدها منصوبٌ بها ، قال تعالى " وقالوا لنْ يدخلَ الجنّة الّا من كان هوداً أو نصارى ، تلك أمانيُّهم " [20] وقال " لن نؤمنَ لك حتى نرى الله جهرةً "[21] وقال النابغة الذبياني[22]
أجِدَّكُم لنْ تزْجُروا عن ظُلامةٍ سفيهاً ولنْ ترعوا لِذي الوُدِّ آصره
نصب الفعلين : تزجروا وترعوا بـ لن ، وعلامة جزمهما حذف النون .
الواو الناصبة
وهي أنواع :[23]
ا-واو الأجوبة التسعة، الأمر والنهي والدعاء والتحضيض والتمني والعرض والاستفهام والترجي نحو زُرْني وأكرمَك ، ولاتعْصِ والديك ويعاقبَك الله ، وقال تعالى " فعسى أنْ تكرهُوا شيئاً ويجعلَ الله فيه خيراً كثيراً "[24] الخ وقال الشاعر[25]
ألمْ أكُ جاركُمْ ويكونَ بيني وبينكُم المودّةُ والإخاءُ
ب- في باب المخالفةوهي نوعان:
- المخالفة في اللفظ وهي التي تعطف الفعل على الاسم المصدر نحو : أعجبني قيامك وتقعدَ ، وكلامُك وتصمُتَ ، ومنه قول الشاعر[26]
ولُبْسُ عباءةٍ وتقِرّ عيْني أحبُّ اليّ من لُبْسِ الشُفُوف
الشاهد : لبس عباءة وتقر ، عطف الفعل على الاسم فنصب الفعل .
قالوا : تنصب ما بعدها باضمار "أنْ " وذلك ليحصل الاتفاق في عطف مصدر على مصدر ، إذ التقدير في مثل قولك : أعجبنى قيامك وتقعد، وأن تقعد، فيصير التقدير : أعجبني قيامك وقعودك .
وإنْ ذهب الكوفيون الى أن الواو هي الناصبة للفعل المضارع بنفسها .
- والمخالفة في المعنى لارادة نفي الجمع بين الشيئين ، وهي التى تسمى واو مع ، نحو قولهم : لاتشرب اللبن وتاكل السمك ، اي لاتجمع بين شرب اللبن وأكل السمك ، ومنه قول الشاعر [27]
لا تنْه عن خُلُقٍ وتأتيَ مثله عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ
الشاهد: قوله لاتنه ...وتأتيَ ، نصب الفعل الثاني .
أو
ذكرنا أنّ "أو" حرف عطف لايعمل ، ويشرك في الاعراب لا في المعنى ، فإذا قال قائل : قام زيدٌ أوعمروٌ ، عُرف انّ القيام حصل من أحدهما دون الآخر ، فلم يشتركا في المعنى ، وإنّما في الاعراب.
أمّا عملها فقد ورد في حالة دخولها على الفعل المضارع فتنصبه بنفسها عند البعض وباضمار "أنْ " بعدها عند البصريين ،في مثل : لألزمنّك أو تُعطينٍي حقّي ، و سِرْ على الدّرْبِ أو تصلَ ، اي حتى تصلَ ،و كُلْ أو تشبعَ ،و لأسيرنّ في البلاد أو استغني ، وجعل بعض العلماء منه قوله تعالى " ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوبَ عليهم "[28]، وقال زياد الأعجم [29]:
وكُنتُ إذا غمزْتُ قناةَ قومٍ كسرْتُ كُعُوبَها أو تستقيما
الشاهد: نصب الفعل المضارع (تستقيما ) بـ أو ، وقال عروة بن الورد [30]
فسِرْ في بلاد الله والتمِس الغنى تعِشْ ذا يَسَارٍ أو تموتَ فتُعذَرَا
نصب الفعل (تموتَ) بـ أو، وقال امرؤ القيس [31]:
فقلتُ له لاتبْك عينُك إنّما نحاول مُلكاً أو نموتَ فنُعذرا
نصب الفعل ( نموت) بـ او .
الا أنّ هذا مذهب بعض النحاة ، والبصريون يرون أنّ "أو" عاطفة والفعل بعدها منصوب بـ "أنْ " مُضمرة .[32].
الفاء
الأصل في الفاء أنّه حرف عطف مهمل مثل الواو ، ويعمل في حالة دخولها على الفعل المضارع في الأجوبة التسعة : الأمر والنهي والدعاء والتمني والترجي والاستفهام والتحضيض والعرض والنفي
في نحو : أكرِمني فأحسنَ إليك ، و لاتُجادلْ أحمقاً فيُسيءَ إليك ، و ألا تزُورُنا فنُكرمَك ! ، وقال تعالى " لعلّي أبلُغُ الأسبابَ ... "[33] ، وقال أيضاً " يا ليتني كُنتُ معهم فأفوزَ فوزاً عظيماً " [34]، ويقول حطيئةْ[35]
ألمْ أكُ مُسلِماً فيكونَ بيني وبينكم المودّةُ والإخاء
في كلّ تلك الأمثلة ، يرى بعضُ النحاة أنّ الفاء هي الناصبة للفعل المضارع ، بينما يرى آخرون أنّها عاطفةٌ والفعل منصوب بـ "أنْ" مُضمرة بعد الفاء [36]، فهي مثل الواو في هذا الخلاف .
[1] الجنى الداني ص 261، ورصف المباني ص 64
[2] لسان العرب (إذنْ) 13/9,
[3] رصفبا المباني ص 64
[4] ديوان كثير عزة 1/164
[5] الإسراء: 75
[6] البقرة :237
[7] البقرة :184
[8] الحماسة البصرية 1/139, وخزانة الادب 8/575
[9] الجنى الدانى 555
[10] البقرة :214
[11] طه:91
[12] خزانة الادب 3/344
[13] الحديد :23
[14] لسان العرب مادة(سرل) 11/334
[15] ديوان جميل بثينة 1/67
[16] آل عمران :179
[17] النساء:26
[18] ديوان كثير 1/170
[19] الجنى الداني ص 114
[20] البقرة : 111
[21] البقرة :55
[22] ديوان النابغة الذبياني 1/46
[23] رصف المباني في شرح حروف المعاني ص 422
[24] النساء :19
[25] كتاب سيبويه 3/43
[26] خزانة الادب 1/139
[27] الاغاني 12/188
[28]آل عمران:128
[29] المرجع السابق 13/103
[30] ديوان عروة بن الورد 1/27, والأغاني 17/326
[31] ديوان امرئ القيس 1/20
[32] الجنى الداني ص 232
[33] غافر:36
[34] النساء :73
[35] ديوان الحطيئة 1/12
[36] الجنى الداني ص 75
المصدر: منتديات علوم ومعارف - من قسم: قسم البلاغة والنحو