بــان... كيمــون....
وسط دمار هائل...وقف الأمين العام للأمم المتحدة أمام كاميرات القنوات العالمية من كاي و باي و غيرهما .كانت المايكروفونات تتسابق ممتدة تريد أخذ أمكنة قريبة من فمه الجاف من كثرة تنشقه للروائح الغريبة المنبعثة من المكان.
ندم الأمين العام كان باديا على وجهه ،ليس على تقاعسه في إيقاف الحرب الضروس التي أتت على كل شيئ و أحالت غزة إلى مكان غير قابل للحياة ...و ليس للجثث التي كان حرسه الشخصي يضطرون إلى إزاحتها من تحت عجلات سياراتهم الفارهة حين كانوا قادمين إلى هذا المكان..و ليس أسى على كثرة الثكالى و اليتامى التي يرى عيونها المجروحة في كل مكان ..و ليس لأنصاف البشر المكدسة داخل المستشفيات التي تهدم معظمها بسبب القصف ..و ليس ندما على لعبة طفلة داستها أقدام الغزاة و لا لأشجار الزيتون التي صارت خبرا بعد عين.
يحدق في الجموع بعينين ضيقتين شاحبتين و هو يمتص شفتيه بين لحظة و أخرى و هو يتذكر ما خلفه وراءه ....كؤوس الويسكي و رؤوس الغواني و السهرات الملاح ...<<...أووه...من أين أحصل لي على كأس لأطفئ هذا الضمأ الجاثم على أنفاسي!؟>>.
هناك...يقف طفل على رفات أحدى المباني التي كانت مسجدا قبل ثلاثة أسابيع ،بعد أن طاردته أيدي حرس كيمون ، و بعيني صقر راح يتأمل المسخرة بل المسرحية . كان الصغير محتارا و آلاف التساؤلات تتراوح مكانها في مخيلته ،هل له علاقة بتلك الرسوم ؟..الشبه ربما يشبهه..و المصدر واحد..و كذلك الاسم آه الاسم نعم
بان كيمون..بوكيمون)!!!.
و نزل مهرولا و ساقاه تسابقان الرياح ..يا ماما !! هذا متحول مثل الآخر سيكهرب المكان و يفجره في آية لحظة غضب ..
تبلدت عينا بان و هو يجول بهما محدقا في عدسات الكاميرات وسط الكاراج الذي كان بالأمس مخزنا للمساعدات الغذائية ، و هو السبب الرئيس الذي جعله يتنقل إلى أرض المعركة.
<<الحق الحق ..الوضع مخيف و لكن ما عساي أقول ..؟ و رأس رايس بذلك الأنف وبتلك السحنة ...يا للهول !لقد نسيت كلماتها التي حفظتني إياها قبل مجيئي إلى هذا الخراب >>فالتفت إلى أحدهم فهمس في أذنه فابتسم الأخير و هو يمرر له ورقة مطوية .تنهد تنهيدة طويلة و عيناه تلاحقان الطفل و كأنه يحسده متمنيا أن تكون له من جرأته ما يساعده على مغادرة المكان المقرف الذي لا ينتمي إليه .و بلسانه تفقد شفتيه مرة أخرى..و بسرعة تلا ما كان مكتوبا بعد أن ألقى عليه نظرة سريعة كانت كافية لاسترجاع وصايا سيدته السوداء القابعة في البيت الأبيض ..و انسحبت المايكروفونات بمثل السرعة التي تجمعت بها بانسحاب بان أما الكاميرات فآثرت أن تلهث وراءه قليلا و كأنها حريصة على توديع الرجل الأصفر.الذي ركب سيارته المصفحة .
و وقف الصبي يتأمل الموكب و هو يمر غير بعيد ،فالتقت عيناه بعيني بان التي تلقت منه آلاف الرسائل و التساؤلات ..ربما وعاها و ربما لا ..لقد كانت سعادة بان لا توصف لتمكنه من مغادرة المكان قبل المدة التي منحت له من قبل ليفني ،والتي كانت و لا تزال طائراتها تحوم فوق رأسه و عيون قادة جيوشها على البث المباشر عبر القنوات الفضائية تترقب هفواته التي يعتبرونها الضوء الأخضر الذي يسمح لهم بردمه تحت أكوام الصفيح.فهو ليس من جنسهم ،و الاحتياط واجب و الخطأ إن حدث يغتفر..